رواية بيئية بلا تاريخ ولا سياسة ولابيئة

” لا نحتاج إلى الكثير من الفلسفة لنقول إن لا حياة دون ماء، لكن استحضاره روائيا يعد أحد الأوجه الأصيلة للبيئة العربية، فلا يمكن أن تقرأ عملا أدبيا من الخليج تحديدا دون أن تستشعر وجود الماء، وكأنه صفة لصيقة بالأدب الخليجي. وهذا ما يؤكد أن الرواية الأصيلة هي تلك التي تستنطق بيئتها روائيا بما يتناسب وما يريد الأدب قوله”

في مراجعتها للرواية “تغريبة القافر” تدعي سارة سليم ان ” الرواية الأصيلة هي تلك التي تستنطق بيئتها روائيا.” ولكن اذا قامت هذه الرواية باستنطاق فكان برفق شديد. تلهم شأن الأفلاج في عمان عدد لا يحصى من التساؤلات عن التاريخ والسياسة والبيئة ولكن لا تطرح الرواية اي منها بل تلجأ الى وصف العالم الطبيعي لا يتجاوز عمق الأدب الرعوي التافه.

مع اننا لا نعرف بدقة أصل نظام الافلاج العمانية يمكن الاشارة على أدلة مثيرة بالاهتمام من مجال علم الآثار تدعى انها تسبق وصول العرب الى جبال الحجر. من كانت هذه الامبراطوريات العتيقة ذات القادرة الادارية اللازمة لانشاء مثل هذه القنوات، وكيف تبني وصان هؤلاء المهاجرون العرب هذا النظام الزراعي المتطور بدون المعرفة التي تجيء بخبرة بنائها، وهل يستوعب الذكرى الجماعي تراث العجائب مجهول الأصول، سواء بعزوها إلى عملاق ملك سليمان او الاعتراف بلغزها باستخدام الصفة بأنها مجرد “شيء مبهم”؟ يشبه هذا الرابط بين تراث الحضارات العتيقة والريف المعاصر العلاقة بين الماضي والحاضر في رواية “الجبل” بفتحي غانم التي تسرد حكاية سكان قرية في الريف المصري يزرقون من نبش الآثار الفرعونية وبيعها للأجانب بدون ان يفهمون قيمتها التراثية ومحاولات الحكومة المعاصرة لايقافهم وتهجيرهم لقرية “نموذجي” لكي يساهموا في النشاط الاقتصادي الناتج. ولكن لا تتناول رواية “تغريبة القافر” موضوع هذا الرابط إنما تبتكر حكاية ولد منعم عليه بمهارة شبه ساحرة تمكّنه اكتشاف منابع المياه الخفية في الجبال.   بدلاً من “استنطاق” المجتمعات التقليدية وكيف تعتماد على التراث المبهم فيضرب الكاتب كليشيه ال”مختار” مثل ما نشاهد في حرب النجوم وهاري بوتر.

الزراعة في منطقة جبال الحجر التي تستفيد من الأفلاج هو مبنى على نظام الملك الجماعي الموروث من العصر الكلاسيمي، نظام يوفر مصدر ثامر  للحكايات عن الحياة الاجتماعية. يمكن التخييل نسخة عمانية من رواية عبد الرحمان المنيف “التيه” تسرد حكاية مجتمع تقليدي يهدده فرض علاقات رأسمالية للملكية. ولكن بدلاً من هذا فالصراع الاجتماعي الرئيسي بالرواية يركز في نبذ الولد وتشكيك سكان القرية عنه بسبب مهارته الساحر ة في ايجاد المياه تحت الأرض. وبالاضافة الى ذلك يضيف الكاتب حبكة زوجية من أجل تزيين رواية رعوية بقليل من الغرام.

كل التغطية الصادرة من عمان تخبر ان يتوجه تراثها الثقافية الفريدة من نوعها ازمة وجودية بسبب الاسراف والتلوث واسلوب الاستهلاكية المعاصر غير المستدام.  تصف مقالة محزنة للغاية كيف نظام الافلاج الذي قد استمر لمدة قرون الأن على حد الانهيار التام بسبب الضخ غير المنظم للمياه الذي يكاد استنفاد طبقات المياه الجوفية وبذلك جفاف الافلاج المنتظر. ولكن لا تتناول “تغريبة القافر” شأن السياسة ولا البيئة كما لا تتناول التاريخ. بدلاً من استخدام الرواية الرمزية لكي تعالج مأساة استغلال الإنسان للعالم الطبيعي الذي يزرقه، يقدم الكاتب في عرض ثالث من روايته تطور مفاجئ صعب التصديق حيث الماء هو تهديد حرفي.

سارة سليم على حق عندما تقول انه غير ممكن أن تقرأ عملا أدبيا من الخليج تحديدا دون أن تستشعر وجود الماء، وهذه الرواية ليست استثناء. بالصراحة تستشعر الماء خليجياً، يعني تتجنب القول بأي شيء تحليلي او نقدي بل تعوذ بالكليشيهات الرعوي المطمئنة وبساطة أخلاقية القصص الخرافية

https://www.alquds.co.uk/%D8%AA%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%B1-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B2%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7/

https://www.google.com/books/edition/Production_and_the_Exploitation_of_Resou/4WFqEAAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=oman+water+divining&pg=PA285&printsec=frontcover

https://e360.yale.edu/features/oasis_at_risk_omans_ancient_water_channels_are_drying_up